الاثنين، 25 يوليو 2016

رواية رعشة السراب | للكاتب رضا إبراهيم



رواية رعشة السراب | للكاتب رضا إبراهيم 







هذا الغلاف الأنيق من تصميم الرسامة  السعودية المبدعة في مجال الخط والجداريات  /"هاجس" 
أصدقاء كثيرون تحمّسوا لفكرة كتابتي المباشرة للرواية والبعض عاتبني قليلا لبعض التأخير أو عدم الإنتظام ..إحداهن قالت بالحرف أدمنت السهر على إيقاع رعشة السراب ، كأني بطلتها .

إليكم جزء هام من الرواية الجميلة التي مازالت قيد الكتابة ...إهداء لأجمل قُرّاء
هي رواية حَدثْ وبنت جيلها وعصرها.. أدواتها مختلفة ..أشبه بشريط فيديو مُصوّر بلغة الكتابة ..أحداثها مُعاصرة وأبطالها حقيقيون .. والرواية التي لا تُبكيني لا تعنيني ولا ترويني .













كان إعتقاد الجميع بأنّني مازلت طالبا جامعيا ..والحقيقة أنني أعمل كأستاذ متخصص في مادة الفلسفة بالجامعة المَلكيّة ..هذا هو العام الثاني بالجامعة ولن يمرّ بهدوء وسلام كسابقه ..لأنّني أشعر بفوضى لذيذة جدا داخل أروقة وجداني ..بدأت القصّة بسؤال ..وكان الطّرح من خارج الحرم الجامعي وتحديدا على موقعي الخاص بتويتر .. ما هي فلسفتك في الحب أستاذي الكريم..؟ ..
فيا ترى من السائل ؟ ..هي رومانسية الملامح ..هادئة..واثقة..واعدة..ومُنصِتة ..ممشوقة القدّ .. سهلة الودّ تُشبه الورد في كل شيء ..حتّى في أشواكه ..لم أكن أحتاج لدقة الملاحظة لأستخلص بأنّها تفتقد غاليا وعزيزا لن يُعوّضه أحد ..تلك هي الأشواك ومسحةالحزن على وجهها الطفولي ..



كنت أحبّ مادة الفلسفة حبّا غريبا ربما لأنّها الخيط الحريري أو النور الذي يقود لحقيقة الأشياء..وربّما أيضا هي المادة الوحيدة التي تُحاورنا بنفس الأسلوب الذي ننتهجه معها ..
تلميذتي وإسمها "نور"  هي مادّة أخرى أكثر غموضاً وإثارةً وتشويقاً وأنا في طريق مفتوح لعشق هذه المادّة والإنصهار في بوتقتها الخاصّة جدّا جدّا.. وما كنتُ لأقتحم عالم الأنثى المُذهل لولا مادّة الفلسفة ..فالحب فلسفة أو لايكون وعالم يحكمه العقل والجنون.



أعترف أولا بأنّ تلميذتي المتميّزة كانت وراء شهرتي الواسعة في الجامعة ..كيف ذالك؟ ولا مخلوق سوانا يعرف قصّتنا .. نعم فقد أصبحتُ حريصًا على تقديم أفضل مالديّ أثناء المحاضرات وكنتُ أتابع يوميّا جديد المادّة على الإنترنت وأفضل أساليب التقديم والطّرح والشرح بما يتناسب ومستوى الطلبة وكذالك بيئة المجتمع .



.. إذنْ يمكن أن تكون هذه الطفلة المدلّلة هي التي دفعتني للإسراع في إنتاج روايتي هذه .. .. بصراحة نعم وألف نعم ولو لم أفعل ما كنتُ أستحق لقب أستاذ الفلسفة ..فقد كان عليّ أن أحتوي تلميذتي بأي طريقة مناسبة تُرضيها ولا تُؤذيها ..لم يكن يهمّني أحد ولا يُشغلني أبدا تطوّر العلاقة بيننا ولا وصفها ولا نوعها ولا تقييمها ..كان همّي الوحيد أن تبقى علاقتي طيّ الكتمان وأن يعيش سرّ تلميذتي ويُدفن معي .


الساعة تُشير إلى العاشرة مساء بعد منتصف الشوق ..وكعادتي في هذا الوقت أجلس أمام حاسوبي أكتب شعرا أو نثرا أو  ما يجول بخاطري .. إلاّ أنّ فكرةً ما قفزت إلى ذهني دون إستئذان . ..أشبه بفيروس الحواسيب التي يمكنها إرباك النظام أو تعطيله ..وفعلا عطّلتْ هذه الفكرة عقلي لبعض الثواني وكانت كافية لكتابة رسالة قصيرة وإرسالها عبر بريد تلميذتي الخاص ..

ولأول مرة أكتب خارج النصّ ..كتبتُ لها ... "نور" هل أنت على الخط ؟ .. جاء الردّ  ..نعم أستاذ لبيب ..
يا نور ماذا فعلتِ بأستاذك ؟
هههه ماذا تقصد ؟

لا أستطيع النوم كعادتي
ولا أنا يا أستاذي


أمامك فرصة يا نور أن تتراجعي عن سِحرك لي وإلاّ تورّطتُ في حبّك
...ثم ختَمَتْ نور محادثتها بكلمة واحدة لا غير ..كانت كافية لتغييبي عن وعي اللحظة وإرباكي كأجمل ما يكون الإرباك ..."أحبّك"
وبسرعة البرق كتبتُ لها ..سبق لي الزواج يا نور ..قالت "أحبّك"
ولي من زوجتي أبناء يا نور ...قالت : لا تراجع أحببتُ وعشقتُ روحك وليست لي علاقة بجسدك
وتَرَكـتني في حالة اللاوعي وأغلَقَتْ المحادثة ..


شعرتُ بعد المحادثة بأنّني إرتكبتُ عدة حماقات دفعة واحدة ..لماذا التسرّع في كشف أوراقي كلها ؟ ..
ولكن سرعان ما هدأ خاطري  لوصولي لقناعة بأنّني ما فعلتُه كان صوابا يقتضي  جُرأةً لم تكن تنقُصني فأنا أكره الأنانية والغش والأمر الثاني الذي رسّخ صواب تصرّفي هو أن لا أسبق ظلّي فربّما  وجدَتْ نور في شخصي تعويضا عن أخ عزيز أو والد أو حتى صديق  وهي لا تدور بالضرورة في نفس الفلك الذي أدور فيه..



المهم.. تلك كانت شبه مُقدّمة لأجمل رواية أكتبها بل  كنت أختصر وأستعجل بداية الغوص في دهاليز هذه العلاقة الفريدة  ..أبدا أبدا لم أكن أُفكّر في النشر أو الربح من خلال التوزيع ..بل نشر الرواية  كان بطلب بطلتها وبعد إصرار على ذالك ونزولا عند رغبتها كان الأمر كذالك أتدرون أيها القرّاء بأنّ حبّها أوقعني في حبّكم أيضا ..كيف لا وسرّ علاقتنا بين أيديكم ..



كان يُزعجني ويُقلقها عدم إهتمامنا ببعض  داخل الحرم الجامعي ..كنّا نخوض حربا باردة هدفها إخفاء ألسنة اللهب التي كان يقذفها بركان الشوق بقلب كل واحد منّا...عن نفسي فقد كنتُ مُقاوما  شرسًا وبطلا في تجنّب الوقوع في سِحر عينيها فقد كانتا عيناها آيتين للجاذبيّة ..ساهمتا كثيرا في زيادة عدد التسابيح على لساني..فسبحان الذي خلق فسوّى



...  اليوم هو السبت يوم إجازة رائع عادة يكون فيه مزاجي رائقا وأنا أمارس الكتابة حبّا للغة وعشقا للمعاني..وأنشر ما لذّ من الحروف وطاب من الكلمات ..


لا تَكتُبني بلا إحساس 

أنا لستُ جريدةً ولا قرطاس
مارس معي الكتابة
دون مُجاملة ولا إلتباس
تنفّسني وأنسى الإقتباس
ضُمّني إلى السّطر
وإعتصرني عشقاً
يملأ الكأس
وإجعل من المعاني
وسادة رأس
دعك من كلّ قيلٍ وقال
ومن فوبيا الناس
واجِهني نصّا بنصّ 
وضع نقاطك على الشفاه
لا فواصل بين الجُمل
ولا خطوط تماس



 وما إن نشرتُ القصيدة  على صفحتي الشخصية حتّى  لاحظتُ  وميض في مربع الرسائل يُشير إلى وجود  عدد من الرسائل وكانت رسالة   تلميذتي واحدة من بينهم ..تقول فيها بعد الإطراء والإعجاب هل لي أستاذي بإلقاء القصيدة بصوتي؟
..فكم سَرّني هذا الطلب وأسعدني فسماع صوتها سيساعدني أكثر في الولوج لعالمها الخاص


كم أدهشني صوتها حد الإنبهار ’ كان ناعما كملمس حرير ودافئا كخطوط شمس الشروق ومختلفا تماما عن الصوت الذي أسمعه نادرا أثناء تقديم المحاضرات...
إنتهتْ من إلقاء القصيدة وبقي الخط بيننا مفتوحاً أصابني نوع من الإرباك وحتي لا تشعر بلحظة فراغ قلتُ لها "نور" أيمكنك إعادة الإلقاء ..إبتسَمَتْ وقالت هل أعجبَك أدائي؟ قلتُ نعم رائع وأكثر...

أثناء الإعادة لم ألقِ بالاً للقصيدة أبدا بل أبحرتُ في صوتها بزَوْرقِ لهفةٍ وجنون وتمرّد ..لاأدري كيف مرّ الوقت بنا وهي تُطيل الحديث وتُجدّد السؤال بعد الآخر وآخر سؤال طَرحَتْهُ تلميذتي وخرَجَتْ به عن السائد و المألوف هو " أيّهما ألذّ يا أستاذ أن نعيش الواقع أم الحلم؟ وهل يمكن أن نشعر بالدفْء من موقد بعيد جدا 
حسناً يا نور سأحاول الإجابة على سؤالك في سهرة قادمة فالوقت متأخر ولا بدّ لك بقسط من الراحة كي لا أسجّل غيابك غدا ..
ولكن تلميذتي كانت أكثر إصرارا على الإجابة بل أذهلَتني بجرأتها حين قالت بالحرف ..إذا أحسستُ بالإرهاق سأتوسّد صدرك لأغفو قليلا..


قلتُ:
يا نور
خلوت بكِ جُملةً ونصّا مُغايرا
ذُهلتُ وبدَتْ لي الحروف ضفائرا
أشمّكِ أم أضُمّكِ أم أقفُ حائرا
صفحتُكِ العذراء
لا طاقة لي بحسن بياضها
تكالبت ذنوبي عليها
صغائرا وكبائرا



....وظننتُ أنّي أذهلتها ببعض أبيات إرتجلتها ..لكنّها طَرحَتني أرضاً بقاضية العشق وبكلمةِ واحدة " إقترفني" فأشعلَتْ بذالك نارا حطبها أطنانا من الأشواق اليابسة ..ومع ذالك مازلتُ مسيطرا على كل حواسي إلا السمع فلا أجرؤ أبدا على قفل الخط وتمضي نور في حديثها المفعم بالحنان المُزدان بثقة لا متناهية في شخصي ..
أستاذي سأنزل عند رغبتك في تكملة الحديث والإجابة عن سؤالي بعد غد كما أردتَ  .. فقطعتُ حديثها بل نُكمل غدا يا نور قالت: ألا تريد الإستمتاع بعطلة اليوم الوطني ..؟ فذكَّرتني بعطلة أنسَتني إياها حلاوة الحوار .. قلتُ لها والله يا نور نسيتها تماما فاستغلّت بذكائها ودلالها الفرصة وأعادت تأكيد طلبها على الإجابة فقلت لها سأستقطع نصف ساعة للصلاة وأعود لك قالت:"أوكي"






عُدنا والعودُ أكثرتشويقا وإمتاعا في بحور الفلسفة ..
يا نور سأطرح عليك سؤال أبدأ به الإجابة ..ما الذي أبكاك أول أمس أثناء الدردشة ؟ قالت لا تُذكّرني أرجوك ولا تحاول إقناعي بالإبتعاد ..قلتُ لها ليس هذا المقصد بل أريد الوصول إلى هذا الموقد البعيد الذي رغم المسافة إستطاع أن يبثّ الدفء في كامل أطرافك ويثير كل جوارحك وحواسك حتى إنهمرت دموعك الآسرة ..صمَتتْ نور صمتا رهيبا  فبدا لي كالضجيج ...وما إن نطقتُ باسمها حتّى أجهشت بالبكاء ..وهذه المرة لم أحتمل هذا الإنكسارلأنثى آية في الجمال ..وبنبرة صوت خانق سألتها ما سرّ هذا البكاء الذي يزلزل الصخر ..أخبريني أرجوك ..أرجوك

طيب لا تقاطعني "حبيبي" {أول مرة تعطيني صفة الحبيب}
لك ذالك يا نور ..قالت سأضع يدي على كتاب الله ..أقسم برب الكعبة ومحمد وبرب الكون أنت أول إنسان إخترتك وأنت الأخير أو الموت ..أنا بحياتي ما كنت أتصور أن أربط علاقة برجل ..لكن وجدتُني فجأة أقتحم عالمك يدفعني الخوف من المجهول ممزوجا بالحب المستحيل { وعدتُها بعدم مقاطعة حديثها وندمت } فهي تُفجّر في داخلي أسئلةً كثيرة ــ }المهم سأترك نورتكشف ما في قلبها من أسرار,




أستاذي وحبيبي و أخي و وأمي وأبي أرجوك حين أكمل قصّتي أقفل الخط ولا ترد عليّ في الحين .. أنت تعلم أنّني منذ ثلاث سنوات أمارس رياضة الجمباز ونلتُ بعض المداليات ..ولكن منذ فترة وقعت أثناء التدريب على جهاز حصان القفز وأغمي عليّ وأسعفوني على الفور والحمد لله لم أُصب بأي كسور في جسدي وعدت للبيت وفي نيتي أن أصلي ركعتي شكر لله ..فوجئتُ بدماء غزيرة وأصابني الذعر والخوف وكانت ليلة قاسية وحزينة جدا فقسوة نشأتنا في البيت لا تسمح لي بمناقشة الأمر حتى مع والدتي ..


في اليوم التالي سألت مدربتي وهي طبيبة قالت لي  ربما فقدتُ عذريتي وأصيب الغشاء بتمزق جزئي أو كلّي ..!

 فبِربّك يا أبي ويا معلّمي ويا حبيبي أكتم سرّي وأنظر ماذا ترى في فاجعتي ..فالموت بإنتظاري ولن يصدقني من أهلي ولا الناس أحد !....

أقفلتُ الخط وكنت عند وعدي لها ..ومن حسن الحظ والتوفيق أنّني لست من النوع الذي ينفعل ويردّ الفعل بشكل غبيّ غير مدروس .
وعلى عكس كل الليالي السابقة نمتُ ليلة هادئة .. لأنّي كنت على يقين من وجود أكثر من حل لمشكلة نور وأن الله لا يتخلى عن عباده أبدا وهو خيرٌ حافظا.





ومن الغد إلتقيتها على غير العادة أثناء دخولي بوابة الجامعة إستوقفتني كأنها تريد سؤالي فتحَتْ كتاب بين يديها وإذ بقصاصة بداخله فهمتُ أنها لي وأنّها كانت تموّه فقط ..
تردّدتُ كثيرا في فتح القصاصة ومعرفة الأمر خشية أن أفقد التركيز أثناء المحاضرة الوحيدة التي كانت مبرمجة لهذا اليوم ..أخيرا قررت ترك الموضوع لما بعد المحاضرة
--
سيدي لا يذهب ظنّك أنّي أضعك أمام الأمر الواقع بمشكلتي ..أنا أكبرمن ذالك وأجمل وأعقل حُبّاً وأكمَلْ ..بل أعلم مُسبقا لو أنّ الأمر يتعلّق بشخصك لكان محسوما لديك ومختوما برحيق فلسفتك الراقية في الحب ..ولكن هي المشورة والرأي والدعم المعنوي 



كان ذالك محتوى تلك القصاصة ..كلمات قليلة معاني كبيرة وثقة عالية في النفس ..تجعلني دائما تلميذا لها خارج الجامعة أتعلّم منها دروساً خصوصية كثيرة ..خاصة وأنّي أتقن قراءة ما بين السطور ..
وقبل التواصل من جديد مع "نور" تذّكرتُ زميلة لي طبيبة وكذالك والدتها ..ومباشرة قمت بالإتصال وبإختصار عرضتُ عليها مشكلة نور فأقترحَتْ عليّ إعطاء رقمها لنور وطمأنَتني ..


إتصلتُ بنور وأمليتُ عليها الرقم وأكّدتُ عليها بضرورة التواصل المباشر معها في العيادة أو البيت .
يوم الأحد الساعة السابعة مساء رنّ هاتفي الجوال وكنت بصدد إعداد محاضرتي لأول الأسبوع سيما وأنّها فترة إمتحانات .... ألو نعم ..أهلا ...أهلا بُثينة ...عن جدّ؟ مش معقول ..متأكدة من الأمر دكتورة ..وأين نور الآن ..؟
- خَرجَتْ للتو من عيادتي وهي في طريقها للبيت ..
النتيجة كالتالي: فحص طبيبة الجامعة لنور لم يكن دقيقا ..فالطبيبة لاحظت فتحة في غشاء البكارة وشخّصت ذالك على أنّه تمزّق في الغشاء والحقيقة أنّ ما عاينته الطبيبة كان الفتحة الطبيعية الموجودة في كل غشاء وهي لإخراج الإفرازات المهبلية ودم الحيض والمعلوم أيضا أنّ الفتحة تظهر وتختفي حسب كل حركة أو وضعية ..


إنقضى الليل دون أي إتصال من نور ولا أثر لها على مواقع التواصل ..

صباح الإثنين توجهت للجامعة وقبل الدخول ركنتُ إلى كفتيريا مُجاورة لأتأخّر عن قصد خشية اللقاء بها قبل المحاضرة ...وما إن إرتشفت فنجان القهوة حتّى حان الموعد ..تمشّيتث ..وصلتُ الجامعة دخلتُ الساحة فإذا بنا وجها لوجه وإنخرَطَتْ بالبكاء وطفقت تمسح دموعها وتلملم كراسات سقطت منها سهوا ..إفتضح أمرها ..تسألني زميلتي ماذا حدث وتهافتت علينا جموع الطلبة ..وبكل برودة أعصاب قلت لهم ..الحمد لله ،الله ستر فقد كادت تدهسها سيارة لشاب متهوّر ... سَمِعتْ نور ذالك وتركتُها تؤلّف بقية السيناريو وهرولتُ أنا مسرعا نحو الإدارة متخلصا بأعجوبة من موقف حرج كاد يفضح علاقتنا 


حان وقت محاضرتي دخلت القسم لم أسجّل وجود نور ضمن الطالبات فرجّحتُ أن تكون أخذَتْ إذن من الإدارة بالمغادرة ..واصلتُ تقديم المحاضرة وإستحسنتُ فكرة غيابها لدرء أي شبهة عليها 
في المساء توقعتُ إتصالا منها لطمأنتي لكنها لم تفعل بل تركَتْ لي رسالة خاصة على موقع التواصل ..


أستاذي الجميل أستاذي الإنسان يا فيلسوف حياتي ..لن أتطرّق للموضوع الذي يخصّني فالطبيبة زميلتك ولن تخفي عنك التفاصيل ..رسالتي الأولى إليك وأنا بكامل جرأتي وجنوني ..عليك الحب يارجل كم كنتَ رائعا في كل موقف عليك الشوق وإليك مردّ لهفتي  ..ولك وحدك زخّات عطري وهطل أنفاسي ..ماذا لو لم يكن في حياتي فيلسوف يضع النقاط بفطنته على الحروف..قل لي كيف أصير لك وأقول لك كلّي لك يا ملك ..

أترك لي شيئا من عنوان المحاضرة لأستدرك ما فاتني ولك منّي سِلالاً من القُبَل ..أحبّك وأحبّ فلستك وأُحبّني لأني أحبّك  يا أجمل فيلسوف 

كانت تلك رسالتها الرقيقة وكان مايلي ما فاتها من المحاضرة:


 تنشأ العلاقة الروحية بين جسدين  متقاربين  كانا أم متباعدين ..بل أنّ المسافة تتلاشى تماما بقوة الجذب العاطفي خاصّة إذا إمتاز الطرفان بالتحكم في عنصر الخيال الذي يلعب دور لاقط الإشارة وكلما كان الخيال واسعا رحبا كانت جودة الإشارة الملتقطة عالية ويقع الكثير من الناس   في الخطأ  حين يفسرون علاقاتهم الروحية بأنّها علاقات إفتراضية خاصة أولئك الذين يبنون علاقات مختلفة من خلال التواصل عبر الإنترنت فطالما هناك روح تنبض بالحياة ينتفي إفتراض الشيء  وإلا كيف نُفسر الفرح والحزن والضحك والبكاء وكل ما هو نشاط كيمياء في الجسد . وفي المُطلق فإنّ كل شي يثير حواسنا وراءه محرّك فإذا سلّمنا بأنّ العقل والقلب محرّكان أساسيان فإنّ الروح هي الطاقة المسؤولة  عنهما والمُغذّية لهما .


 لقد تَركَتْ رسالة نورفي نفسي  أثر الإنبهار والدهشة لجمال أسلوبها وإختزال الحب في عناصر ثلاث ..جُرأة ،وثقة ،وموقف  ما جعلني أخرج بانطباع جميل هو أنّ زملائي في التدريس تخرّجوا أساتذة في تخصصاتهم المختلفة وتخرّجت أنا تلميذ برتبة أستاذ أتعلّم كل يوم درس من تلاميذي لأنّ الفلفسة درس متجدد متواصل مادامت الأفكار مستنيرة بنورالعقل ونور الحياة ...


مساء المساءات والكلمات السوسنات ...
‎Posted by ‎MAGIC WORDS سحر الكلمات‎ on‎ 29 أكتوبر، 2014
نحن الآن في شهر يوليو و أسبوع كامل قد مضى على العيد ولم أقدم التهاني ولا التباريك لنور بمناسبة العيد الذي إقترن بنجاحها بتفوق وحصولها على درجة التميّز .. أشعر بحزن شديد بحجم فرحتي لنجاحها ..فرقم الهاتف اليتيم الذي كنا نتواصل من خلاله خارج التغطية وأفهم من ذلك أنها في بيت جدها حيث لا أمل في الإتصال لعدم توفر شبكة هناك ، نومي متقطع ككل ليلة وإرتباكي متواصل مع كل رنة للهاتف ..الفجر يقترب ..صوت المنبه .. ثم رنات متواصلة ..مكالمة على الخط ... نور ..صوتها الحريري الناعم وخفقان قلبي وتسارع جريان الدم في أوردتي ،تعرّق يدي ورعشتها ، مالذي يحدث معي ؟هل لأنها غابت عني كل هذه المدة الطويلة  أم لأنها أطربتني بصوتها العذب وهي تنشد عيدك مبارك حبيبي ، 

بدأنا الحديث وكلانا ينافس الآخر في وصف أشواقه وإشتياقه ..
نور: أستاذي وحبيبي لديّ طلب غير قابل للرفض لأنه هدية عيدي لا يحتاج منك إلى المال بل إلى الذكاء والدهاء وتطبيق لفلسفة الحب التي علّمتنا إياها ..
خير إن شاء الله يا نور لن أرفض لك طلب 
نور:هناك إستراحة شاي رائعة على شاطئ البحر لطالما سمعت عنها وحلمت بالذهاب إليها ، سنذهب إليها عشية الخميس أنا وأنت !


يا نور هل أنت طبيعية ؟وبكامل مداركك العقلية ...ما هذا الجنون؟ 
هل تريدين التخلص مني نهائيا وطردي من هذا البلد ..أنسيتِ أنني معروف في أوساط الشباب في هذه المدينة بالذات ولو أحدا كشف الأمر سينتشر كالنار في الهشيم ..أنت منقّبة لن يتعرف عليك أحد ،..يا نور أيعقل أنا سأجنّ من غرابة طلبك وأنت تضحكين ؟
نور: تصرّف يا قدوتي في حسن التصرف ...لن أتراجع عن طلبي أمامك يومين لإيجاد مخرج لأزمة خروجنا من كوكب الأرض ألستَ القائل بأن عيناي كوكب آخر إذَن هي فرصتك  ..سأتصل بك لاحقا يا عزيزي أستسمحك عذرا البيت مليء بالضيوف .
                               
                                    

- هكذا بكل ثقة وعزم إستأذَنت منّي وقَطَعت حديثها وتركَتني لجُرأتي وخيالي وقراري ، فلم يكن أمامي غير حسم الأمر .
سرعان ما قفزت إلى ذهني فكرة مجنونة ،،لن أتردد سأطبّقها فورا وأفاجئها في اللحظة المناسبة ، ذهبت لغرفة جدي الكفيف والمقيم معنا في البيت ،ألقيت السلام عليه فاستقبلني كعادته بابتسامة عريضة ، قلت له سأستعير منك واحدة من نظّاراتك وهذا العكاز وعندك البديل ،وكان جدي حاضر الذهن قال لي وهل ستمثل دور الأعمى ؟ قلت له نعم ولكن واحد من الطلبة  على مسرح الجامعة ، قال لي بالتوفيق يا إبني ،


رن هاتفي وكانت نور على الخط ، كيف أنت أستاذي بخير ؟ هل حسَمت الأمر ؟ قلتُ لها في هدوء تام نعم ،نعم لم يبق إلا إختيار المكان والزمان قالت يوم الأحد عزيزي و عليك إختيار المكان بشرط لا يكون بعيد جدا عن نادي الفروسية لدي ساعة ونصف تدريب بداية من السابعة مساء ، ليكن موعدنا الخامسة 
يا نور ما رأيك بصالة الشاي "الأوبرا" على كرنيش البحر ؟
يا عزيزي أصبت الهدف رائعة ، حسنا سنلتقي في الموعد وقبلها بربع الساعة سأطلبك من جوالي ، والآن أتركك بخير دمت لي سالماً .





مساء الأحد لن أنساه من ذاكرتي أبدا ،مغامرة هوليودية سأقوم بها فقد إرتديت لباسا تقليديا ،وضعت النظارة السوداء وأخذت عكازي  ولحسن الحظ لا أحد بالبيت ،تسللت للشارع العام وبسرعة البرق توقفت أمامي سيارة فأشرت له بمواصلة السير وشكَرتُه فأنا أريد ركوب سيارة أجرة فقط ، توقفت بعد قليل سيارة أجرة فركبت وناولته العنوان في ورقة صغيرة ،ربع ساعة فقط وكنتُ في المكان المحدد قبل الموعد بقليل أنتظر مكالمة  من نور لأعطيها أوصافي ،
رنين الهاتف ،نور على الخط والمفاجأة ، أهلا نور نعم وصلت المكان وأرتدي ثوب تقليدي أبيض مع غطاء الرأس (الشماغ) ونظارة سوداء وعكاز أبيض ، 
نور: هل أنت تمزح ؟ لا أبدا أنتظرك ..هيا ، 


هاهي نور تنزل من سيارة الأجرة وتتمشى باتجاهي في ذهول ،
أهلا نور ،،حقا أنت مجنون يا لبيب فاجأتني ،ماهذا ؟ولماذا؟ 
سنتحدث في الصالة يا عزيزتي ،هاتي يدك باعتباري كفيف ، أنا أرتجف يا لبيب ليس خوفا بل ذهولاً ممزوجا بسعادة ، يدكِ ساخنة يا نور ، .. يا لبيب إسحب يدك إذا أزعجتكَ ، لن أسحبها يا نور لأني فعلت ما فعلت من أجل هذه المصافحة المجنونة الخارجة عن القانون والخارقة لكل الأعراف الدولية !

تقودني نور إلى بهو المكان حيث سنجلس وتختار زاوية مناسبة وتشير لي بالجلوس ورغم أن المشهد أمامي واضح بفضل النظارات السوادء لكن سأتعثر بالكرسي متعمدا إحداث شيء من الضجيج ،، نور تبتسم وتساعدني على أخذ مكاني ..

نور: حسنا فعلت أيها العبقري فقد ساعدني جنونك على التصرف معك بعفوية  لكن سأسألك سؤال ..هل كل هذا خوف ؟ وعلامَ بنيت خوفك هذا ؟ 

وهل تعتقدين يا نور بأنك الوحيدة التي تخرج لمثل هذه الأماكن ..ماذا لو شاهَدنا طالب أو طالبة من الجامعة أو أستاذ؟ خاصة وأني معروف بين الطلبة 
نور: لقد أربَكتَني ..حسنا دعنا من هذا ..جئتُ بك إلى هنا لأبحر في في عينيك حاول أن تعالج أمر هذه الشاشة السوداء وأنزع نظارتك فالوقت يداهمنا بسرعة .

~ حسنا يانور سأتظاهر بتنظيف العدسات رغم أني متأكد لا أحد بالجوار 
نور :أحتاج لسنوات لتصفح محتوى عيناك ..لم أراك بهذا القدر من الجاذبية أثناء المحاضرات ..رغم أنك تُبهرني بطريقة إلقائك للمحاضرة خاصة وأنك تستعين بيديك مستعملا إشارات معينة لزيادة التوضيح ... من عينيك أفهم أنك لن تُقدم على مثل هذه المغامرة والخروج  معا في نزهة ..

ِوبسرعة قاطَعتُ حديثها ..لا ..لا..لن نخرج معا،هذه المرة الأولى والأخيرة فأنا أحرصُ منكِ عليك وقد نزلتُ عند رغبتك لأُثبتَ لك شيء واحد ،هو أننا نملك ذات الرغبة في إختراق السائد والمألوف وأننا نحاول زرع الطمأنينة في أنفسنا بقدر ما ننزع عنها من الخوف .. لا تنسي أن تكوني مجنونة فوق الحصان وتدرّبي جيدا على القفز فالحب وثبة كبرى نحو المعلوم من العشق وسأنتظر شيئا منك يكون تتويجا لمغامرتي هذه.

نور: حديثك ممتع وحضورك قوي ولعلني فهمت ماذا تنتظرمني ، كعادتك تستثمر الحدث وتستبق رزقك ...ولن أبخل عليك ستصلك صورة أو أكثر يا فيلسوف زمانك ... قل لي بربك ما سرّ إجتذابي إليك ؟ ما تفسيرك لتعلقي الشديد بك ..كيف تراها جرأتي في التعامل معك ؟ هل لأنك الكل في واحد ؟ الأستاذ والصديق والحبيب والأخ والأب الحنون والأم والأمن والأمان؟ 

بل أنا يا نور من يطرح التساؤلات ،، كيف إستطاع قلبك الصغير أن يغزو مدينة أحلامي ويحتل عاصمة وجداني ..بل كيف قفزتِ هذه القفزة المذهلة وتخطّيتِ بها فارق السنّ بيني وبينكِ وجعلتيني أشعر بأنني مجرّد طفل بريء مهما كبُرت وأنك مهما كنتِ صغيرة فأنت الأم الحنون بالفطرة ،، مذهلٌ هذا الحب ومُربكٌ للعقل ومخالف لكل النظريات ،، لا أقول أحبك فحسب  بل أثق بك فالثقة أعظم وأبقى من الحب .

نور: خرجتُ معك ولم أخرج عن خط سير محاضراتك المشوقة فها أنت تُغذي روحي بدرس من دروسك الخصوصية  ، بالمناسبة أستاذي ما رأيك بالنص أو البوح الذي أرسلته لك على حسابك بموقع تويتر ولماذا لا تضغط على زر الإعجاب كلما أتحفتك بشيء ألستَ أنت من نصحَني بالكتابة ؟ 

- شكرا يا نور على الإطراء المتواصل ، بخصوص النصّ فإن زر الإعجاب لا يعبّردائما عن قيمة المحتوى ،فلو نشرتُ قصيدة لي باسم مجهول على موقع تواصل لن أحصل إلا على القليل من عدد الإعجابات بينما لو ذات القصيدة نُشِرت باسمكَ وعلى حسابك ستحصُد أضعاف أضعاف العدد .. ولكن أبشري فأنا حفظتُ مطلع النص لشدة إعجابي وتكرار قراءتي له ، تقولين :

 سأقهر صمتي
وأفجر براكين عشقي 
لأفصح لك عن حبي
لأطير على أجنحة النوارس 
وأنثر عليك من قُبلاتي
همسة .. ونظرة 
قد تخطف مني عقلي
أحبك جداً
لأن لهيب عشقك 
يشعل فتيل جنوني
عازف ألحاني 
ومنسّق أحلامي

أنت يا سيّد الحبّ
~
نور: لن أعلّق بعد هذه المفاجأة دموعي سَبقت تعليقي ، تعرف كيف تنتزع الإبتسامة مني وكيف تسقي حبك بدموعي ، أكرهك لأن لا طاقة لي بفقدك لحظة واحدة وأحبك لأنك تكره النساء من بعدي .
  
الوقت يستدرجنا بسرعة عزيزتي ولم تخبريني بنتيجة مادة الفيزياء وأنت تعلمين جيدا حساسيتي المفرطة بالنتائج فلن أتسامح مع نفسي لو لاحظت تراجعا قيد أنملة في النتائج ولن أرضى بغير أعلى الدرجات وإلا فليس أمامي إلا تهديدك بغلق حسابي وسمِّي ذالك إبتزاز أو أي شيء .

- أنت أستاذ ذكي وشقيّ ولستُ أقل منك ذكاء ولا شقاوة ، فقد تَركتَ دموعي التي تعتصِركَ وعرَجْت بي إلى موضوع آخر يستدعي إهتمامي وبذلك تكون قد مسحتَ دموعي بمكرٍ ودهاء دون أن تمرّر أناملك على وجنتيّ ، نقطة أخرى تُحسَب لك يا أجمل نقاط حروفي ... حان وقت إنصرافي لنادي الفروسية ، أنصحك بتوفير نقودك وأن تزورنا في البيت المرة القادمة فنحن نقدّم ألذ أنواع الشاي والقهوة مجانا يا أستاذي الخاص في مادة الحب الممنوع .


لسائل أن يسأل هل هذا كل ما جرى بيننا من أحاديث ؟ وهل يستحق هذا اللقاء هذه المغامرة الإستعراضية ؟


الجواب بالنفي طبعا ، فما إستعرضته لم يكن سوى أحاديث جانبية لتهدئة الخواطر أما أكثر من ثلثي حديثنا فقد كان في العمق وبعمق الجرح الغائر في صدرها .. كنت كل الوقت مستمعا لها شاردا بذهني في ملكوت أحزانها مذهولا لرباطة جأشها ، وستبدأ رحلتي معها وقصتي من بعد هذا اللقاء 


اليوم فقط أدركتُ لماذا لم يكن يعني لها شيء فارق السن بيننا ، 

فلطالما تساءلت هل أنا بهذه الوسامة لتقع في حبي حسناء كاملة الأنوثة والأوصاف ولم تكمل ربيعها العشرون بعد ؟

كانت تلميذتي تبحث عن الكل في واحد وعن الواحد الذي يساوي الكل وكنت أقرأ ذلك جيدا في عينيها ، ومنذ البداية كنت أشعر بأنها تفتقد عزيزا غاليا ، ولكن لم أتخيل أبدا أن تلميذتي الغالية خسرت كل شي وفقدت أسرتها كاملة ، نعم هي الوحيدة التي شاء لها القدر أن تبقى شاهدة على عصر الظلمات ، كانت تستعد لإختبارات نهاية العام الدراسي في بلاد الشام ولسوء الحظ أو حسنه فالله وحده أعلم ،قد قرر والدها الضابط الكبير حزم أمتعته ومغادرة البلاد مع أسرته بعد حصوله على معلومات تفيد بإغتياله 


ناقل الخبر كان رفيق عمره وأعز أصدقائه لكي لا يشك لحظة في الخبر وقد أغتيل صديقه من بعده وتروي لي القصة تلميذتي معقبّة على هذا الإغتيال تقول كان هذا الخبر منقذا لحياتي فقد كان صديق والدي هو الأب الروحي لي وما كنت لأحتمل فرضية خيانته أبدا 


أما والدي فقد تم رصد سيارته ومراقبته وتحديد مكان قصفه وقد تمكنوا من تفجير مركبته واستشهد والدي و والدتي وأخي البكر وأختي الصغرى ، وسمعت الخبر بعد يومين وأنا أمتحن كان الجوال في حالة السكون لكن شعرت بالذبذبة وتسارع نبض قلبي فتحت جوالي ونسيت المراقبين وكان أحدهم من أقربائي لحسن حظي وكم بكيت وبكيت وبكيت ،، كانت دموعي هي الإجابة الوحيدة على ورقة مادة التاريخ بعد تلك اللحظات الفارقة في حياتي لا أذكر شيء إلا وأنا في بلد آخر في كفالة عمي وهو كل ما بقي لي في حياتي .


كان هذا جزء يسير من فضفضة قصيرة كانت حبلى بأسرار كثيرة روتها لي نور أثناء جلسة الشاي وربما السر الوحيد الذي تفاعلت معه وكان سبب في تغيير أجواء الحزن إلى غزل هو أنّ إسم تلميذتي الحقيقي" أسماء" وليس نور إلا أنّ بعض الترتيبات والإجراءات الصارمة إتخذها عمها حرصا على حياتها كان من بينها تغيير الإسم،
 وكم كنت أعشق هذا الإسم منذ طفولتي ولا أذكر سببا محددا لذلك .


الحديث الشيق والممتع والأسطوري هو ما دار بيننا بعد هذا اللقاء في نفس الليلة من خلال موقع للتواصل يجمعنا وكنا نعتبره النادي الخاص بنا وكثيرا ما كانت تطلبني بالهاتف لنتفق على موعد لقاء في النادي 


لم أكن أبخل عليها من وقتي أبدا ...كانت تلجأ لي كطفلة بحاجة إلى سند والدها وكنت أقرأ ذلك ما بين السطور حين تناديني "بابيتو" أو بابي ... جرأة حديثها تأسر القلب رغم أني مشاكس محترف إلا أني أعترف لها من حين لآخر بقلة حيلتي وضعفي أمام هالة البراءة والنور والأنوثة ..


بصوت رجولي أجشّ وعلى أدنى إنخفاص لمستوى الذبذبات ..وشوشتها ..بعد منتصف الشوق كانت تسمع جيدا لكن بشقاوتها كانت تشكو إنخفاض صوتي ...لأعيد هذياني فتثمُل من المعاني ...تقول صوتك يتغلغل في أحشائي لكأنّ العشق يتكور جنينا من نطفة صوتك ..ويْ كأني حاملةٌ لحبك الخرافي ..كم جميل أن أصير أمّا لهذا الصوت ..


...كلما قلت لها أحبك قاطعتني هامسةً في أذني أحبك أكثر ..أحبك بعنف ..بجنون ..
كانت دائما تُحذّرني بشدة من أي لحظة غياب مفاجئة غير متفق عليها ... وكنتُ حذرا حدّ الهوس لأنها كانت عاشقة مجنونة ...كنت أدعوها صغيرتي لأنها تصغرني سنّا ولكن كانت خبيرةً في ممارسة طقوس حبها بما يشبه السحر ..كانت تملك من أدوات الفتنة والجمال ما يؤهلها لذلك ..
كنت واثق الخطى أمشي نحوها عاشقًا مَلكاً ..ربما علاقتي بالكتابة والقلم وعالم الأدب والرواية كان يغويها وبشدة ما جعلها تُلقي بجبال من الثقة على عاتق  شخصي المتواضع ...وكنتُ أدرك أنه حمل ثقيل سيورطني لاحقا في مهمة حفظ كمّ هائل من الأسرار بيننا ...

من حسن حظها أنني كنت مجبولا على الوفاء والكتمان ... والمفارقة أنني لا أنصح أبدا بنات جيلها من خوض مثل هذه التجارب  وحرق المراحل والصعود العاطفي بصاروخ مجهول الطاقة والمنشأ .















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق